كان أحدهم يدعى دينار العيّار , كان مسرفا على نفسه , وكان له أم تعظه فلا يتعظ .
فمر يوما على مقبرة كثيرة العظام قد خرجت منها عظاما نخرة , فتذكر مصيره , وتذكر نهايته
...
فعلم أنه على الله قادم , وإلى الله سائر
ثم قال: ويحك يا دينار , كأني بك غدًا قد صار عظمك رفاتًا , وجسمك ترابًا , وما زلت منكبَّة على المعاصي والشهوات
ثم ندم وعزم على التوبة , ورفع رأسه للسماء قائلا :
إلهي ألقيت إليك مقاليد أمري , فاقبلني واسترني يا أرحم الراحمين.
ثم مضى إلى أمه متغير اللون منكسر القلب
فكان إذا جَنَّ عليه الليل أخذ في القيام والبكاء وهو يقول:
يا دينار ألك قوة على النار ؟ كيف تعرضت لغضب الجبار؟
فرقت أمه له يوما حين رأت جسمه قد هزل وقالت: ارفق بنفسك قليلا
فقال: يا أماه دعيني أتعب قليلا لعلي أستريح طويلا .
يا أماه إن لي موقفًا بين يديْ الجليل ولا أدري إلى ظل ظليل أم إلى شر مقيل؟
إني أخاف عناء لا راحة بعده وتوبيخًا لا عفو معه
قالت: بنياه أكثرت من إتعاب نفسك؟
قال: راحتها أريد
يا أماه ليتك كنت بي عقيمًا , إن لابنك في القبر حبسًا طويلا , وإن له من بعد ذلك وقوفًا طويلا .
وكان يقوم الليل وهو يقرأ قول الله تعالى : (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
فيبكى ويضطرب، ثم يخر مغشيًا عليه.
فيا مخطئ وكلنا ذوو خطأ ......(أَلَمْ يَأْنِ للذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ)